الثلاثاء، 26 مارس 2013

مقال " تحف مصرية في طريق الكليه "

مقال

 تحف مصرية في طريق الكلية
استيقظت اليوم من نوم شحيح، وقمت من على فراشي أجرجر نفسي ، وأعدت النيه على ذهابي الى الكلية، أرتديت ملابسي، وحملت أوراقي ودفتري، و أحكمت باب شقتي،  ومن هنا بدأت رحلتي الى كليتي ، فسرت الى محطه المترو على بعد عده أمتار من بيتي، وركبت القطار كعادتي، ظللت واقفة قليلا الى ان وجدت مقعدا متاحا فجلست، وعندما جلست لمحت امرأة مسنة و اقفة على مرأى مني تسند جسدها المرهق على جدران القطار، فأشرت لها بيدي " تعالي"، وأجسلتها مكاني، و لم يمر الكثير إلا وقد خلى مقعدا أمام السيدة المسنة بإتجاه الجانب الأيسر بجانب النافذه، وبجوار سيده أخرى مسنه تصطحب معها طفلا صغيرا يبدو عليه انه بالمرحله الإبتدائيه، وبجوار السيدة المسنه الأولى فتاة تجلس أمامي مباشرة ، ففتحت بعض الأوراق بيدي لأقرأ بها قليلا الى ان أبلغ وجهتي، ثم قامت السيدة المسنة بجواري بسؤال السيدة المسنة الجالسه أمامها، أين وجهتك ؟؟، فأجابتها ولا أذكر المنطقه التي ذكرتها بالتحديد ، حيث كانت غريبه على مسامعي، ولكني أذكر أنها سألت إذا ما كان عليها أن تغير اتجاهها لتستقل إتجاه أخر، وأجيبت بالإيجاب، ثم قالت السيدة بجواري : " أنا نازله حسني مبارك "، وبمجرد ان ذكر اسم الرئيس السابق حسني مبارك ، وفي ظل المجريات الحديثه، فتحت سيرة الفساد الذي ألحق بالبلد في عهده ، فقالت السيدة بجواري : " متوقعتش أبدا كل الفساد ده " ، فردت السيدة الأولى في الذكر : " لا كنا متوقعين "، فقالت الأخرى ردا على الأولى : " ايوه كنا متوقعين ، لكن مش للدرجه ديه "، واستمر الحوار حول هذا الموضوع ، وزادت أطرافه أتنتين " أنا ، والفتاة التي أمامي مباشرة " ، وشكَلنا مربعا حواريا، وأنتهى الحوار بمجرد أن قدمت محطه رمسيس " حسني مبارك  سابقا " ، و هي محطه السيدة والطفل، ومحطه نزولي أنا أيضا ، فنزلنا معا و افترقنا كل لوجهته بعد السلام ، ولقد كان ما جرى معي في القطار أمرا عاديا ، شهدته أكثر من مره، وكان أمرا مألوفا بعد الثوره، ولكن ما حدث بعد ذلك أكد لي أنه ليس من الشرط أن يكون مكان التحف بالمتحف، ولكن أيضا على قارعه الطريق، وفي وسائل المواصلات ، ولكنها تحفا من نوع أخر .

فبعد أن خرجت من محطه مترو الأنفاق ، سرت في طريقي قاصدة " الترام" ليحملني الى الكلية، وعندما وصلت اليه وجدته يهم بالرحيل فأسرعت لألحق به ولم أستطع ، فقد ذهب وتركني أنتظر تحت الشمس الحارقه. لم أكن أستقل الترام قبلا وكنت أركب " التاكسي " ، ولكن قلق أمي منعني من ذلك، حتى لا أتعرض للخطف على حد قولها، نعم الخطف، فقد قالت لي أمي مرارا وتكرارا : " لا تركبي التاكسي "، فهي قلقه على ابنتها كالكثير من الأمهات بعد الثوره وأثناءها، نظرا لكثره حالات إختطاف الفتيات. أما الترام فناهيك عن كونه الأرجوحه اليوميه الملائمه للبسطاء، والملتقى لمختلف الطبقات المجتمعيه، فقد كان الطريقه البديله المتاحه و المقبوله للذهاب الى الكلية، المهم أنني لم أركب الترام في هذا اليوم، فأثناء إنتظاري تحت لهيب الشمس لما يقرب من الساعه، صاح " سائقا للميكروباص" بعد أن صعد على الرصيف المحيط بالمحطه من الخارج، دافعا بالنصف الأعلى من جسده الى داخل السور " المرغني ، كليه البنات ، كليه البنات " ، فكان صياحه سرينه للنجده بالنسبه الي و بعض الفتيات الأخريات، فهرعت إليه أنا وهن ، و ركبناه، و أستمر إنتظارنا لدقائق أخرى داخل " الميكروباص " حتي يكتمل عدد الركاب، وأثناء إنتظاري جاء ما كنت أنتظره " ترام المرغني "، ورحل المرغني وتركني مع الميكروباص، لم يتركني المرغني مع الميكروباص فقط وإنما تركني مع أول " التحف المصريه " التي قابلتها في طريق الكلية في هذا اليوم . فها انا ذا أجلس داخل الميكروباص ، لتمتد دقائق إنتظاري دقيقة بعد الأخرى، ثم نظرت فوجدت أمامي رجلان يقفان على عربه غريبه ، بها أنيتان في شكل " العسكري"  بلعبه الشطرنج ، فأطلت النظر وراقبت ما يفعلان، حيث كانا يقومان بوضع ثلجا مقطعا من على صواني مصنوعه من الألومنيوم بأياديهما بداخل هذه الأواني العسكريه ، وتسألت ما حاجتهما الى الثلج ؟؟، ولم يقومان بوضعه في تلك الأواني، ودفعني فضولي الى سؤال فتاة كانت تجلس بجواري على الجهه اليمنى بجانب باب الميكروباص ، و بتركيز بصري على هذه العربه سألتها قائلة : " ما هذا ؟؟ " ، فردت قائلة : " عصير" ، فأعدت ما قالت : " عصير!!  " ، ثم قلت من الذي سيشرب من هذا العصير بعد أن وضعوه بأياديهما هكذا من صواني كانت على الرصيف !!! ، فردت قائله : " من لم يروا ذلك ".

وبعد أن أكتمل ركاب الميكروباص، أنطلق بنا " سائق الميكروباص" ، فتنهدت ولسان حالي يقول :  " يا مسهل يا رب " ، فسار الميكروباص و سرنا معه ، فوقف فتوقفنا . وقف الميكروباص في أحدى محطات البنزين ، لنستكمل معه مسيره الإنتظار، فقال السائق لعامل البنزينه : " فوٌل "، وبعد أن أمتلأ الميكروباص بالبنزين، أصابته الشرقه وعزف عن المسير، فضممت شفتاي وقلت في نفسي : " ما هذا اليوم العجيب !! "، حاول السائق اعاده الميكروبص الى العمل، و صاح أحدى العاملين بالبنزينه : " يلا يا شيخ " ، فقد كان السائق ملتحيا، وبعد محاولات متكرره عاد المحرك أخيرا للدوران ، و استكمل السائق المسير ، ولقد كان الشارع شديد الإزدحام ، وكعاده سائقي الميكروباص في مصرنا المحروسة يعتبر السائق نفسه في سباق ، وان الشارع ملكٌ له وحده ، فحاول الأسراع ، وفجأه قام بفرملة قويه وارتطم كل الركاب بالمقاعد أمامهم ، و كادت أن تقع حادثه، ولولا فضل الله علينا لأصبحنا في عداد الموتى ، وبعد أن أفقنا من الصدمه صاحت سيده من الكرسي الخلفي وقالت بغضب : " أنت سواق أنت !! ،ده أنا كنت هركب الترام " ، ويبدو ان تلك السيده ندمت ندما شديدا على ركوبها هذا الميكروباص فلقد أخذت في التذمر منذ أن عرفت الأجره وحتى النهايه ، وما هو جدير بالذكر انه وبعد أن كدنا نتحطم ، وأثناء إستكمال طريقنا مر عشرات الشباب على الجانب الأيمن من الشارع وهم يصيحون ، وكنت أظنهم يقومون بالتظاهر، ولكن أحد الركاب قال بأنهم " مشجعي للكرة "  وأن هناك مباراه ستقام اليوم ، و يبدو ان بعض هؤلاء المشجعين أحسوا بالحر الشديد وقرروا أن يخلعوا الجزء العلوي من ملابسهم ، وهنا قال سائق المايكروباص : " دول مشجعين دول ، ماشي وبنطلونه هيقع منه ، معندهمش حياء دول ولا إيه " ، وفور أن قال ذلك قالت نفسي : "هه ، عجبا" !! " ، فلقد قام هذا السائق نفسه الذي يتحدث عن الحياء بالنظر عبر المرآه الأماميه علي ، وعلى البنات الجالسين خلفه ، وكرر ذلك أكثر من مره بالرغم من ان عيني تلاقت مع عينه ، ولكن يبدو ان هذا الموقف لا يستحق منه أن يشعر بالحياء ، و هذا الشيخ نفسه ، ولما كانت السيده بالخلف تتذمر و تسأله عن طريق سيره ، لم  يحترم أنها أكبر منه سنا ، و كان يرد عليها كلمه بكلمه ، وقد كانت أحدى كلامته لها : " الستات مبيتردش عليهم " ، صراحة أغاظني ، وشعرت انه رجل لا يحمل معه ذره ذوق لا في جعبته ولا في ذقنه الطويله ، ولا في ثنايا ميكروباصه ، وكما ذكرت سابقا بالفعل ليس من الضروري أن تجد التحف في المتحف، ولكنك قد تجدها أيضا تسير على الطرق تقود  الميكروباص ، والدليل على ذلك أنني قابلت تحفة أخرى في طريق عودتي من الكليه الي بيتي ، ومن الواضح ان هذه التحفة تعشق " اللمبي " ، فقد كانت طائرتة ، أقصد ميكروباصه يحتوي على مشغل أقراص مدمجه ، وشاشه عرض ، و هو طوال فترة قيادته يحاول ان يعرض فيلما من أفلام محمد سعد المعهوده ، في الوقت ذاته الذي كان يتولى فيه القياده ، فيبدو أن طائرته ، أقصد ميكروباصه مزود بقيادة آليه ، ولا يحتاج الى سائق يطالع الطريق بحذر ، ويراعي الركاب الذي يتحمل مسؤوليه حياتهم ، و لكنه نجح بالفعل بأن يجعل جميع الركاب يتنافسون في مسابقة أعرض إبتسامه على الطريق ، وعندما  اقترب الوقت الذي سأقوم فيه بالنزول من الميكروباص ، قلت بصوت عال : " المترو معاك لو سمحت " ، ولكني لاحظت ان السائق مستمر في السير فأعدت ما قلت بصوت عال : " المترو معاك لو سمحت " ،  ولكنه لايزال مستمر في السير متجاوزا محطتي ، فصحت للمره الثالثه : " المتروووووو " ، فقام الراكب الجالس بجوار السائق بإيقاظه من غيبوبته و أعاد له ما قلت ثلاثا ، فقالت لي السيده بجاوري  ويعلو وجهها إبتسامة عريضة : " أصله حاطط السماعات بودنه " .

ولن أنسى أن أذكر موقفا أخر تعرضت له في اليوم ذاته ، وذلك قبل أن أستقل الميكروباص وفي محطه الترام ، حيث كان يقف العشرات من الناس مثلي ينتظرون قدوم الترام ، وكان من المنتظرين معنا مجموعه من الأولاد بالمرحله الإعداديه على وجه التقريب ، ولقد كانوا في قمه المشاغبه ، يركضون هنا وهناك ويلتفون حول المنتظرين ، و يضربون بعضهم البعض بقسوه في مناطق قاتله ، وكنت أنتظر منهم أن يهدأوا أو أن يتحلو ببعض الأدب ، أو أن يصيح بهم أحد الرجال الذين كانوا يقفون امامهم مباشرة و يشاهدون عروضهم للمصارعه ، ولكن شيئا من هذا لم يحدث ، فقلت في نفسي : " لقد طفح الكيل يجب أن أفعل شيئا " ، فقمت من على مقعد الإنتظار وتوجهت اليهم ومن وسط هؤلاء الرجال صحت بهم " بس يا ولد انت وهو " ، فرد علي أحدهم  " أحنا بنهزر " ، فازداد غضبي وصحت قائلة : " هزار ايه ده !! ، هتعورا بعض " ، ثم عدت في هدوء الى مقعدي مع دقات قلبي المتسارعه، واعين الناس تتبعني . لقد هدأ الصبيه قليلا ولكنهم لم يتمكنوا من التوقف تماما عن هزلهم ، فصاح بهم أحد الرجال الواقفين أمامهم مباشرة سابا" أباهم ،  وبغض النظر عن طريقه الرجل الغير ملائمه في ردع الصبيان وسبه لأباهم ، شعرت أني أنجزت شيئا ، لأني رأيت شيئا ليس بالصواب  و أتخذت موقفا تجاهه ، ولم أجلس مكتوفه الأيدي ، وعلى إثر ما فعلت تخلى احد الرجال عن بعض سلبيته ، فلو وجد هؤلاء الصبيه من يحسن تربيتهم ، ومن يوجههم ، ويعنفهم إن أخطاؤا بأن يقول لهم هذا خطأ وهذا صواب من أبائهم في المجتمع كنوع من التربيه المجتمعيه إذا غابت عنهم بالمنزل، لما تمادوا في طباعهم السيئه ، لأن المجتمع لن يتقبل منهم ذلك، لأن خلق المجتمع يتنافى و تلك السوكيات .   

 ( مجرد تعنيف بالكلمات فقط مجرد كلمه " كده غلط ، كده عيب، من الأدب كذا" هه .. وذلك للأطفال فقط كنوع من التربيه المجتمعيه هه.. أما الكبار فبالنصح المؤدب لا بالضرب أو السب هه .. فهذه ليست دعوه لتأديب الناس في الشوارع أو ضربهم أو الإعتداء عليهم هه .. يا رب يكون الكلام مفهوم )


وفي النهايه أسأل نفسي : هل اعجب من "السائق الشيخ"  أم من "السائق الكلاس"،  أم من المصارعين الصبيه ، أم عليَ أن أعجب من المصابيح التي لا تزال مضاءة فيما يقرب الساعه التاسعه والنصف صباحا ، أم أعجب من القمامه الملقاه بأسفل لافته تقول : " حافظوا على نظافه الشارع " ، أم أن أعجب منهم جميعا ، هناك الكثير والكثير من المظاهر السلبية التي نقابلها يوميا في الطريق الى كلياتنا أو الى أماكن اعمالنا، وذلك حتى بعد أن قامت الثوره ، فكما ثورنا على نظام كان فاسدا ، علينا أن نثور على سلبياتنا حتى نحقق التغيير، وكما نجح هذا النظام في زرع تلك السلبيات فينا، علينا ان نستأصلها حتى نمثل للشفاء.




ملحوظه هامه : حدثت أحداث هذا المقال و كتب سنه 2011  وذلك في السنه التي قامت فيها الثوره المصريه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق