الثلاثاء، 26 مارس 2013

مقال " كيمياء المشاعر "




مقال
كيمياء المشاعر

هل فكرنا يوما في سر تلك المشاعر ، والأحاسيس الغريبه التي تكمن بصدورنا ، في سر تلك الوخذات وتلك الدقات السريعه التي تنتاب عضله القلب ، تلك الأحاسيس التي تعتصر قلبك ويصعب عليك في كثير من الأحيان أن تعبر عنها بالكلمات ، تلك  التنهدات والصعوبه في التنفس ، تلك الدموع التي تفيض من عينك ، وتلك الأفكار التي تهتاج في عقلك ،وهذا الإنقباض في الصدر الذي ينتابك فجأه انه مخلوط كيميائي  إما ان تجلب الجرعه منه أحاسيس الفرح  فتفعم بالحيويه، والبهجه ،والنشاط ، ويمتلأ وجهك بألوان الربيع المزهره ، وإما أن تجلب احاسيس الحزن والألم الذي يشعرك بالوهن والتآكل ، فيصفر وجهك ويذبل كأوراق الخريف ، هذه هي كيمياء المشاعر الذي يصعب على المرء منا معرفه تراكيبها وأسرارها .
هناك صنفان من البشر الصنف الأول يستسلم لتلك المشاعر فتأخذه بأمواجها العاتيه سواء كانت مشاعر الفرح أو مشاعر الحزن فهو يسلمها نفسه وينغمس في محلولها ، والصنف الآخر هو من يصمد أمام تلك الأمواج بحلوها ومرها يستمتع بالحلو منها دون ان ينغمس بها فتمتلكه و يقف أمام مرها ليس دون أهتزاز بل بعناد ، وعدم إستسلام فلا يدعها تهوي به فتغرقه  ، وهناك صنف ثالث لم نذكره وهو الذي يصتدم بأمواجها و يستمر في تناسي الصدمه فيعيش في حاله من التناسي المستمر، ولكنه بالطبع  لن يقدر على منع تلك الذكرى من الطفو على السطح ، فيكتفي بتناسيها ، ويستمر في حياته . ولكن ما الفرق بين هؤلاء الأصناف الثلاثه؟ الصنف الأول  فهو كالغصن الرفيع المتدلي من شجره في أسفل التل تجرفه  مياه السيل مع الحطام ، أما الثاني فهو كالسد القوي يظل واقفا حتى لو سقطت منه بعض الأحجار على الحواف ، أما الصنف الثالث فهو كالحاجز الذي يمنع مياه السيل من الوصول الى  المباني الاخرى لبعض الوقت ولكنه في نهايه المطاف مصيره الهدم .
من نعم الخالق علينا اننا منحنا النسيان ، فلذلك سمي الأنسان إنسانا لأنه دائم النسيان، فبإمكاننا نسيان تفاصيل حادثه مؤلمه ، وحجزها في عقلنا الاواعي بكل تفاصيلها ومشاعرها المريره، ولكننا كما قلنا لا نستطيع منعها من الخروج من حين لآخر، ولكن العبره في طريقه العلاج هل ستكون بالحجب أم ستكون بالتقبل والمقاومه . فالبئر مهما كبر عمقه فلابد له بمرور الوقت من أن يمتلأ ويفيض إن استمر إنفجار الماء من باطنه .
حتى الأن لم نعرف سر تلك المشاعر الغريبه التي تنتابنا من حين لأخر، ولا من أين مصدرها بالتحديد ، هل من القلب أم من الروح أم من الضمير أو من العقل . ولكن ليس هذا بمربط الفرس . وإنما المهم هو كيفيه التعامل مع تلك المشاعر والأحاسيس الجوفيه ، لا أقول بالتجاهل ، ولا باليأس والأستسلام  أيضا ، وإنما بالتناول والمعالجه والتكيف .
  



تعلمون أعتقد ان المشاعر نعمه من نعم الله علينا فبدون المشاعر اصبنا بالجمود ، فما أجمل مشاعر الأم الحنونه تجاه طفلها الرضيع وقد ضمته الى صدرها الدافئ ، فلولا مشاعر الحب التي حباها بها الله نحو طفلها ما خافت عليه ولا تحملت عناء حمله وولادته وتربيته ، والسهر على راحته وتمريضه ، و ولولا مشاعر الأخوه لتخلى الأخ عن أخيه في أقصى أيامه وأشد محنه ، ولما نمت جذور المحبه في الله ، والتجرد من الأنانيه ، ونمو الإثار ، ولولا مشاعر التعاطف والرحمه لوقفنا مع الظالم على المظلوم ، وحرمنا مسحه على شعر يتيم ضعيف ، ولأعانا القاتل على قتيله ببرود ، فكيف لنا بحياه حرمنا فيها العطف والرحمه ،والحب، والرأفه ،والود ، أي حياه هذه بدون تلك المشاعر الفياضه الرقيقه ؟؟ وإلا فما الفرق بينها وبين غابه قاحله كئيبه يفترس قويها ضعيفها بلا رأفه 
؟؟
 
الحمد لله على نعمه الإحساس ، وعلى نعمه المشاعر الجميله ، وعلى نعمه الأمومه ، وعلى نعمه الأخوه في الله .

مقال " قطار الموت "


 مقال

 قطار الموت

في صباح يوم السبت 17/ 11 : 2012 وبعد أن استيقظت نور وإختها الصغيره للإستعداد من اجل الذهاب الى المدرسه في بدايه الأسبوع الدراسي و بعد عطله جميله قضتها مع الأهل في بيت العيله يوم الجمعه الذي انصرف باكرا كعادته، استعدت نور و اختها بعد تناول فطورا بسيطا بمنفلوط أسيوط ، وودعتا أمهما بعد أن سمعتا بالأسفل باص المدرسه وقد اتى في موعده على غير العاده، فتقول الأم معلقة : " غريبه.. أتى مبكرا اليوم ولم يتأخر ربع ساعه كعادته، وبعد بسمه تهكميه ارتسمت على وجهها قالت .. خير خير " ثم قالت " يلا يا بنات انزلوا بسرعه قبل ما يمشي و يسيبكوا " ، فترد نور و أختها حاضر يا ماما " مع السلامه " . نزلت نور و اختها على السلالم درجه درجه ليخرجوا من البوابه و يصعدوا على درجات الباص درجه درجه. جلس الأختان وعلى و جههما ابتسامه جميله مشرقه كشمس الصباح ، و تحرك الباص متجها الى المدرسه الأزهريه ، و في الطريق يأتي المزلقان الذي يعبره الباص يوميا في طريقه الى المدرسه ، و هاهو الباص يستعد لعبور المزلقان بعد ان فتح للماره ، و يتحرك الباص ليعبر على شريط القطار ... وفجأه وبينما نصف الباص المحمل بالأطفال يتحدد بالضبط على شريط القطار.. فقط ثواني تفصله ليحرك نصفه الاخر ليعبر السكه بسلام .. يأتي القطار المسرع بإتجاه الباص و بداخله الأطفال فتتجمد الدقائق و الثواني و يتسمر السائق في ذهول ، وتحتضن نور أختها الحضن الأخير قبل ان تودع الدنيا ، و يصرخ الأطفال صراخا حادا متأملين ان يصحوا من كابوس لفيلم رعب يتجه نحوهم بسرعه هائله ... ولكنهم لم يصحوا و لم يتوقف فيلم الرعب الذي هز كيان الصغار الأبرياء الذين نظروا حولهم فلم يجدوا سوى وحش ضار متجه نحوهم بأقصى سرعه ، ولم يجدوا حتى لا أبا و لا أما يهرعون اليهم فيرتمون في احضانهم فزادت بروده الجو بروده فهُزت اجسامهم النحيله فوق الرعب هزه ... وها هي النهايه تقترب بعد رحله قصيره في حياه لم تترك لهم الفرصه حتى ليدركوا قصوتها ، وها هو صوت الأصتدام يفرقع كالرعد ويدوي ، و تزاح ارواحهم البريئه من على القضبان الصلبه ليتركوا خلفهم فراغا وألما حادا حول الصباح الى ظلام دامس ، فغطت الغيوم السوداء شعاع الشمس ، و خيم الحزن الأجواء فأصبح استنشاق نسيم الصباح يفطر القلوب ويؤلم الصدور بحيث تعجز عن التنفس، و عم الصمت .. صمتا من أكثرهم ترويعا .. صمتا تستطيع ان تسمع من خلاله صراخ الأطفال و عويل الأباء و آهاتهم ... أطفالا غرقوا و ما زالوا يغرقون و أباءا يصرخون لقوارب النجاه أن تنتشل فلذه اكبادهم المتناثره تطفو على قضبان الدم .
____
لم تعلم نور ولا اختها و بقيه الأطفال انها المره الأخيره التي سيرون فيها أبائهم ، ولا أبائهم إنها المره الأخيره التي سيرون فيها أطفالهم ربما لو علموا ان باص المدرسه لن يأخذهم الى المدرسه اليوم و لكنه سيأخذهم من على وجه الدنيا .. ترى ماذا كانوا سيفعلون ، هل كانوا ليمنعونهم من الذهاب الى المدرسه ومن ركوب سفينه الموت ؟؟ ، هل كانوا ليضمونهم اليهم ضمه حزينه أخيره ؟؟ ، هل ... ، إنه قضاء الله و لا راد لقضاء الله ، وليس لنا إلا ان نقول إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم صبر ذويهم صبرا يملأ صدورهم بردا و سلاما يخفف نيران قلوبهم المتأججه ، اللهم برحمتك لا ترينا ما نكره فيما نحب ، ولا تذيقنا لوعه قلوبهم .
____
إننا نبكي ونتألم بألما يعتصر جوفنا ،و لا استطيع أن أصدق أن هناك من لا يبكي و يتألم لهذا الحدث المروع ،لا أستطيع أن أصدق من يجلس على كرسيه مسترخيا شاغلا كل مساحه فيه للراحه دون ان يهتز يتحرك أو أن يجلس على حافته ، فما حدث ليس بيسير ...أن يروع الأطفال الأبرياء الصغار و تؤخذ ارواحهم و يسرقوا من أبائهم هكذا ... لا ليست بالهينه و لا باليسيره إنه أمر جلل يحتاج لرد فعل جلل ، فهذه هي القاعده كما نعلمها لكل فعل رد فعل ، هما كفتين لابد لهما أن يكونا متساويتين و متوازنتين .

مقال " مراعاة "

مقال
 مرعاة

أحيانا نتصرف بدون تفكير و دون مراعاه لمن حولنا، ولكن لماذا ؟؟ ،ذلك لأن مشاعرنا شئ خاص ، فشخص ما لا يستطيع ان يشعر بما يشعر به زميل له حتى لو مر بتجربه مماثله ، أو كان لديه إحساس عالي ومرهف ، فما نشعر به يتوقف علينا ، على شخصيتنا و على مدى عمق مشاعرنا وتأثرنا بالمؤثرات المختلفه سواء كانت سعيده ام محزنه ، وإن مررنا بنفس التجربه فإن مشاعرنا تتفاوت من حيث الحده ومن حيث المفهوم و من حيث الدرجه، فكل واحد منا يختار كيفيه تأثره أو بمعنى اخر : " كل شخص منا يتأثر بثرمومتره الخاص " ، ربما قد نشعر بإحساس من نفس النوع ولكن لن يكون بنفس المقياس، فعندما نمر بموقف محزن مماثل لهذا الذي حدث لصديق مقرب فإننا نشعر بإحساس مر و لكن مدى المراره تختلف وتقاس بمكيال مختلف ، والأمر مماثل اذا مررنا بموقف سعيد فإننا نتفق في السعاده ولكننا نختلف في مقدار تلك السعاده ، لذا أجد من الأفضل أنه عند مواساه صديق مر بحادث مرير ألا نقول له " أشعر بما تشعر به " و لكن من الأفضل ان نقول له "أشعر بك" أو " أحس بك " أو " أتفهم ما تمر به " فوقع تلك الكلمات تؤدي المراد بشكل أفضل و أنسب ، وعندما نعود الى ما بدأنا به " ما الذي قد يجعلنا غير مراعين في معامله من حولنا ؟؟ "، ما يجعلنا غير مراعين ويجعلنا نتصرف تصرف يخلو من الذوق والحساسيه هو أننا لا نشعر بما يشعر به الغير ، وليس المطلوب منا ان نشعر بنفس المقدار الذين يشعرون به ولكن علينا ان نتفهم ما يشعرون به ، ونحس بما يمرون به ، فعندما يرتطم رأسك بالحائط بقوه ، و تبيَض الدنيا أمامك لوهله ، فتفهم ما يشعر به كفيف يرى السَواد دائما ، وعندما يبرز كرشك - بطنك- و يضيق عليك بنطالك  فتشعر انك لا تستطيع التنفس فتفهم شعور شخصا بدينا يزن وزنك مرتين ، وعندما يختل اتزانك و تهوي على الأرض وانت سائر فتفهم ما يشعر به من لا يستطيع القيام والوقوف على قدميه ، وعندما يقع من يديك غرضا" اشترتيه من السوق ويكسر مجرد غرضا ليس طفلك مثلا فتذكر من حرم من استخدام يديه لحمل اغراضه وضم طفله .
 
هناك أشياءا قد لا تخطر على بالنا ، و هناك اشياءا لدينا ولا نقدر قيمتها ، وهناك أشياءا نراها فلا نعتبر منها ، وهناك اشخاصا نراهم فلا نشعر بهم ولا نتفهم ما يمرون به ، فنطلق الإفتراضات دون ان نفهم ودون ان نشعر ، ونضحك على هذا ونسخر من هذا ، فنكون بلا شعور بلا فهم و بلا احساس ، علينا ان نحزن على انفسنا عندما يحدث معنا ذلك ، علينا ان نقف مع انفسنا ونتفكر جيدا قبل ان نسخر من الغير أو نتهمهم بأول شئ يأتي على بالنا دون مراعاه ودون مبالاه ، علينا ان نشعر ،وعلينا ان نحس ،وعلينا ان نراعي، وعلينا ان نقدر قيمه ما عندنا ونشكر ربنا
.

مقال " يوم في دار الأيتام "

مقال
يوم في دار الأيتام
كانت المره الأولى التي ازور بها دارا للأيتام، فبعد يوم دراسي حافل بكليه البنات، سمعت أن مجموعه من زميلاتي سيذهبون الى دارا للأيتام، فأنتابتني رغبه شديده للذهاب معهم، وبالرغم من تردد بعضنا في الذهاب خاصه بعد ان قضينا يوما دراسيا مزدحم بالمحاضرات من التاسعه صباحا وحتى الثالثه عصرا، ورغبتهم في الذهاب الى منازلهم للإرتياح والسكينه في اخر يوم دارسي لنا في نهايه الأسبوع، حملنا انفسنا وعقدنا العزم على الذهاب، فقمنا بتجميع بعضا من المال لنقوم بشراء بعض الحلوى للأطفال بالدار، وبالفعل توجهنا الى "مرحبا "  وهو سوبر ماركت صغير أمام الكليه، وقمنا بشراء بعض الحاجيات و سرنا الى درا أيتام" "، وبمجرد ان ولجنا الدار أخذ الصبيه بالصياح من النوافذ، وعند الباب الداخلي لمسكنهم الى ان فتح لنا ودخلنا اليهم، وسبحان الرحمن، كانت وجوههم ضاحكه بريئه، يشع منها النور، وفرحوا بقدومنا كثيرا، وحلقت قلوبنا برؤياهم، وكانوا ثمانيه عشر صبيا وبنتا واحده، أكتشفنا عند خروجنا من الملجأ أن "منه" و أخوها " أحمد" لا يقيمون بالملجأ ولكن في أحد الشوارع المجاوره.
وأثناء تواجدنا بالملجأ، قمنا بتوزيع الحلوى على الصغار، وقمنا باللعب معهم، وقد أحبوا لعبه " المروحه " ، حيث نمسك بهم من ايديهم ونقوم بالدوران كالمروحه، وكنت أنا وأحدى زميلاتي عمدان المروحه والأطفال هم أجنحتها، وما ننفك ننتهي من أحدهم إلا ويأتي الأخر ليحصل على حصته من الطيران، وداخوا ودخنا معهم ، لقد كانوا مفعمين بالحيويه والنشاط، كثيري الحركه واللعب، وعلى حوائط الغرفه التي كنا معهم بها لوحات تعليميه معلقه، الحروف الإبجديه باللغتين العربيه والإنجليزيه، و لوحات تتضمن سلوكيات صحيحه واخرى خاطئه للتصرف في المنزل وفي الشارع وغيرها، بالإضافه الى لوحه تضم أنواعا من الخضار، وخريطه للعالم، وسبب سردي لتلك اللوحات أني كنت " التور جايد " لهؤلاء الصبيه، يمسكون بيدي ويجرونني الى لوحه لوحه لأقرأها لهم، وعندما غنيت لهم الحروف الأبجديه بالإنجليزيه والعربيه، كان طلب احدهم مني أن أعيد غنائها " غنيها تاني" ، و الحشد الأكبر كان عند خريطه العالم ، حيث كانت معلقه على الحائط، وأسفلها كرسي أصبح موطأ لأقدامهم الصغيره، يتنافسون جميعا للإشاره على اسم البلد التي أسألهم عنها، وهذا جعلني أشعر بمدى إقبال هؤلاء الفتيان على المعرفه، وفضولهم لمعرفه المزيد، شيئا لمسته فيهم ولم ألمسه في طلاب المدارس الإبتدائيه المعهوده بهذا الشكل الملحوظ، فسبحان الرزاق، فالذي يحرم من شئ يشتاق لتذوقه، ربما لأنهم لا يحصلون إلا على حصتين فقط في يومهم الدراسي بالمدرسه القريبه من الملجأ على يد أحد الشيوخ على حسب ما سمعت، لذلك وجدت بهم شغفا للعلم والمعرفه، وضربا من الفضول.
وما هو جدير بالذكر، و الذي لمس قلوبنا جميعا هو أن أحدى زميلاتنا، وبمجرد أن دخلنا الى الأطفال، ورأيناهم، ورأتهم هرعت الى الأسفل، ولم نرها بل سمعنا من احد الصبيان الذي رأها واقفه بالأسفل أنها تبكي، قلبها الرقيق لم يتحمل رؤيه هؤلاء الصبيه الذين حرموا من نعمه الأب، ونعمه الأم ، والعائله ، وربما كان سبب بكائها هو انها تذوقت بعضا مما يعانونه هؤلاء الأطفال، فقد علمت منها قبل ان نذهب الى الدار أن والدها متوفي، فقد فقدت أباها رحمه الله هو وموتى المسلمين جميعا رحمة واسعة، فلم يكن منها إلا الذهاب، فأخذت قلبها الجريح معها وذهبت، وعلى الرغم من انه كان يوما شاقا علينا جميعا ملئ بالمحاضرات والقفزات والشقلبازات، إلا أننا غادرنا في المساء ووجوهنا مشرقه، وقلوبنا تحمل نوعا من الرضا والفرحه.
وقد كان في يوم الخميس 14 إبريل 2011 ، ومع انتهاء اخر محاضراتنا، قررنا الذهاب الى دارا للأيتام القريب من كليتنا.
إهداء الى شريكاتي في هذه التجربه الرائعه

مقال " لقاء الجوارح "

مقال
لقاء الجوارح

قلمي يرتعش لأن قلبي يرتعش ، وأنفاسي تتقطع ، وتهرب مني حيث أعجز عن التقاطها . و أكاد أجزم لو كنت أرى قلبي الآن ، أنه ينزف بشده تاركا وراؤه ألما لا يوصف ، فحين تعيش في دنيا لا تعرف لك فيها شريكا محبا أو صديقا وفيا أو عرقا يحن ، فأنها دنيا خاليه من النور ومن كل معاني الدفء ، وعن كل ماله معنى وكل ماله قيمه . بئسا لك من دنيا ، انك دنيا ولا زلت مستمرة في التدني وللأسف تأبين أن تتدني بمفردك ، ولكنك تأخذين معك كل ما هو جميل إلى حضيض موحش رائحته منتنة وأنفاسه كريهة ، رائحه تجعلك تختنق من أصابع قدميك وحتى أعلى قمه في رأسك بحيث تشعر أنك كالقنبلة الموقوتة التي توشك على الانفجار، ولكنها تفجر نفسها ولا تصيب أحدا بأذى ماعدا داخلها .

تبا" ، تبا" ، تبا" وألف مليون تبا" لك من دنيا . أعترف أني أقف أمامك عاجزة ، لا أعرف ماذا أقول ، ولا أعرف شيئا ، ولكن عقلي يحدثني بأن أغير معدني ، وقلبي يتمزق بشده حيث يخالف عقلي . فكيف له أن يتخلى عن محبه الناس ، ومحبه من هم أمام ناظريه ، ومن هم حوله ؟ ، كيف يفقد هبه الحب الصادق ، والقلب الطيب ، والإخلاص العذب ، كيف ؟!! ، كيف ؟!! ، إن فعل فقد أصبح كغيره من القلوب قاس ، صلب ، متحجر لا يكسره فأس ، له جذور ممتدة تسلب كل من حوله كل ذو منفعة ، غير مباليا إن ترك بعضا من الماء لغيره مادام قد حصل على مراده ، ومادام يحثه طمعه على امتصاص المزيد ، سيكون مثله مثل الحشائش الضارة أو كالنبات السام الممرض الذي يعيش بإمتته غيره ، ولكم سأكرهه إن كان كذلك ولكن ....... عقلي لديه حجه قويه فهو لا يزال يقول لي إن كان الآخرين لا يأبهون إلا بأنفسهم فافعلي مثلهم وإلا ستنتهين ، ولن تحصدي غير الحسرة والألم والحزن على من لا يستحقون ، وأخشى أن ينتهي بي الأمر بنزاع فيما بين قلبي وعقلي ، أو أن يغلب أحدهم على الأخر ، أو دون أن أجد جواب شافيا .


لا أعرف أين اختفت القلوب . أين ؟؟؟ أين ؟؟؟ . بالله عليكم إن كان فيكم من يعرف فاليسرع بالإجابة . أين اختفت القلوب في هذه الدنيا ؟؟ لقد كان لدي أملا" كبيرا" في أن أرى الخير في قلوب الناس ولكنه مع الوقت يخفت ضوءه أكثر فأكثر ، وأخشى أن يتلاشى .


ما عدت أعلم شيئا ، صرت أنخدع ممن هم على مقربه مني ، ما عدت أعلم لي صديقا" أو قريبا" ، تاهت مني المعالم ، وصعقت من القريب أكثر من البعيد ، وأصبحت محاطة بالخوف والرهبة مم بداخل هؤلاء ... حولي وقربي ، تمنيت لو أن عيني منظارا" يرى ما وراء الجسد ، ينفذ إلى الروح ، ويطًلع على خواطر القلوب وأسرارها حتى أحب من أحبني وأبتعد عمن لا يريد مني إلا مصلحته ومنفعته الخاصة ، لا يريد إلا أن يستغلني لأكون وسيلته ليصل إلى ما يريد وما يشتهي ، يكون بقربي عندما تكون لديه مصلحه خفيه يريد أن ينتزعها مني ، متخفيا" وراء تلك البسمة الكاذبة ، والمعاملة الزائفة كأني خرقه بيضاء بين يديه القاسيتين يعتصرني وقتما يشاء ويلقي بي وقتما يشاء . و أنا كالبلهاء أنخدع بتلك القشرة الخارجية اللامعة ولا أرى هذا السواد الذي يقبع خلفها .


أي حياه هذه التي نعيشها ؟! حياه مليئة بالمظاهر ، خاليه من المشاعر الرقيقة و المحبة الصادقة ، والأخوة المخلصة ، حياه تملؤها الذئاب . ذئاب ضارية ، شرسة تعض إخوانها نزاعا على الفريسة أو على قياده القطيع .لقد نظرت حولي يمينا ويسارا وحتى بأسفل الأرض ، وبالأعلى في السماء حيث لا مكان لآدمي ، فلم أجد ما أبحث عنه ، لم أجد عائله متماسكة تحب بعضها بعضا" لمجرد الحب والولاء فقط ، لم أجد صديقا مخلصا قلبا وقالبا ، لم أجد زوجا يقدر ما تلاقيه زوجته من مشقه لتمنح عائلتها حياه مرتبه نظيفه ، لم أجد مجالا" مهما تباين نوعه أو لونه إلا ويملؤه الصراع والقتال ، ويسوده الحقد ، لم أجد أخا" إلا وينتهك حقوق أخيه أبسطهم حقه في رؤيته ووده وصلته (وهذه التي قسمتني ) ، و لم أجد إلا النار والشرار والسواد القاتم . لقد فقدت الثقة بالجميع بعد أن كنت بريئة الثقة ، عفويه التصرف .

أي حياه هذه ؟! أي حياه ؟! ، أي حياه هذه بدون مشاعر الأخوة و الصداقة ، والإخلاص ، و الولاء والوفاء ؟؟؟

إنها ليست بحياة ، أنها مقبرة ... مقبرة فوق الأرض لا نور فيها ولا دفء ، الجميع بها تائهون ، لا يرون لهم طريقا مضيئا ، يتخبطون ببعضهم البعض ، ولا أرى لهم طريقا أو مخرجا من هذا الظلام إلا بالتعاون والتآلف ، سيظلون تائهون إلى أن يحب بعضهم بعضا بصدق ، فيكون فكرهم جماعيا لا فرديا ، ومصلحتهم واحده ، ممسكين بأيدي بعضهم البعض سائرين صعودا" من ظلمه الفردية و اللهث وراء المادة .


كثيرا ما أشعر بالصدمة مما يحدث لي ومما ينتاب أسرتي الصغيرة ، ولا أعرف ما العمل ، وأجهل الحل والدواء ، وتنتابني ما لا يحصى من التساؤلات : هل أعتزل الجميع القريب والبعيد ، حتى لا تتوالى عليً الصدمات ؟؟ ، هل أفكر بنفسي فقط ولا آبه لأحد غيري( أنا ) كما يفعلون ؟؟ ، هل أتجاهل من حولي ، وأغمض عيني ، وأسد آذاني ، وأغلق قلبي ، بحيث لا أرى إلا جوفي ؟؟ ، هل أكون كالحية الميتة ؟ ، أم أن القول الأبلغ ( هل أكون كالميتة الحية؟ ) ،أو أظل كما أنا ، و أستمر في تلقي الصفعات والصدمات إلى أن أفنى وأهلك ؟؟ .

( لا ) أفضل أن أكون الضحية على أن أشاركهم هذه السموم ، وهذه المادية ، وهذا الزيف . سأظل أسال نفسي ما العمل ، وما الحل الذي قد يوفره أي عقل لجلاء هذه الظلمة وهذا السراب الذي يملأ الدنيا بأكملها؟ ، سأظل أبحث إلى أن أجد هذا العلاج ، أو أن أموت و لا أزال أبحث عنه . ستظل كل جوارحي في تساؤل ، ولسان حالي يقول : حسبي الله ونعم الوكيل ، حسبي الله ونعم الوكيل .


أسأل الله أن يرشدني إلى طريق الصواب ، وأن يرضى عني أولا" وأخرا" ، و أن يجعلني أداه للخير والإصلاح ، ويدا" للنجدة والمساعدة ، وملجأ" دافئا" حنون يلتجأ إليه الجميع ، لا يخاف النضوب ، ولا يخشى الجروح ، ولا يريد المقابل إلا ثواب الله .لا إله إلا الله الحليم الكريم لا اله إلا الله العلي العظيم ، لا إله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم . وسلاما على كل من كان قلبه زاخرا بالمحبة الصادقة ، والإخلاص الحق ، و الولاء الطاهر ، والأخلاق الطيبة .

مقال " تحف مصرية في طريق الكليه "

مقال

 تحف مصرية في طريق الكلية
استيقظت اليوم من نوم شحيح، وقمت من على فراشي أجرجر نفسي ، وأعدت النيه على ذهابي الى الكلية، أرتديت ملابسي، وحملت أوراقي ودفتري، و أحكمت باب شقتي،  ومن هنا بدأت رحلتي الى كليتي ، فسرت الى محطه المترو على بعد عده أمتار من بيتي، وركبت القطار كعادتي، ظللت واقفة قليلا الى ان وجدت مقعدا متاحا فجلست، وعندما جلست لمحت امرأة مسنة و اقفة على مرأى مني تسند جسدها المرهق على جدران القطار، فأشرت لها بيدي " تعالي"، وأجسلتها مكاني، و لم يمر الكثير إلا وقد خلى مقعدا أمام السيدة المسنة بإتجاه الجانب الأيسر بجانب النافذه، وبجوار سيده أخرى مسنه تصطحب معها طفلا صغيرا يبدو عليه انه بالمرحله الإبتدائيه، وبجوار السيدة المسنه الأولى فتاة تجلس أمامي مباشرة ، ففتحت بعض الأوراق بيدي لأقرأ بها قليلا الى ان أبلغ وجهتي، ثم قامت السيدة المسنة بجواري بسؤال السيدة المسنة الجالسه أمامها، أين وجهتك ؟؟، فأجابتها ولا أذكر المنطقه التي ذكرتها بالتحديد ، حيث كانت غريبه على مسامعي، ولكني أذكر أنها سألت إذا ما كان عليها أن تغير اتجاهها لتستقل إتجاه أخر، وأجيبت بالإيجاب، ثم قالت السيدة بجواري : " أنا نازله حسني مبارك "، وبمجرد ان ذكر اسم الرئيس السابق حسني مبارك ، وفي ظل المجريات الحديثه، فتحت سيرة الفساد الذي ألحق بالبلد في عهده ، فقالت السيدة بجواري : " متوقعتش أبدا كل الفساد ده " ، فردت السيدة الأولى في الذكر : " لا كنا متوقعين "، فقالت الأخرى ردا على الأولى : " ايوه كنا متوقعين ، لكن مش للدرجه ديه "، واستمر الحوار حول هذا الموضوع ، وزادت أطرافه أتنتين " أنا ، والفتاة التي أمامي مباشرة " ، وشكَلنا مربعا حواريا، وأنتهى الحوار بمجرد أن قدمت محطه رمسيس " حسني مبارك  سابقا " ، و هي محطه السيدة والطفل، ومحطه نزولي أنا أيضا ، فنزلنا معا و افترقنا كل لوجهته بعد السلام ، ولقد كان ما جرى معي في القطار أمرا عاديا ، شهدته أكثر من مره، وكان أمرا مألوفا بعد الثوره، ولكن ما حدث بعد ذلك أكد لي أنه ليس من الشرط أن يكون مكان التحف بالمتحف، ولكن أيضا على قارعه الطريق، وفي وسائل المواصلات ، ولكنها تحفا من نوع أخر .

فبعد أن خرجت من محطه مترو الأنفاق ، سرت في طريقي قاصدة " الترام" ليحملني الى الكلية، وعندما وصلت اليه وجدته يهم بالرحيل فأسرعت لألحق به ولم أستطع ، فقد ذهب وتركني أنتظر تحت الشمس الحارقه. لم أكن أستقل الترام قبلا وكنت أركب " التاكسي " ، ولكن قلق أمي منعني من ذلك، حتى لا أتعرض للخطف على حد قولها، نعم الخطف، فقد قالت لي أمي مرارا وتكرارا : " لا تركبي التاكسي "، فهي قلقه على ابنتها كالكثير من الأمهات بعد الثوره وأثناءها، نظرا لكثره حالات إختطاف الفتيات. أما الترام فناهيك عن كونه الأرجوحه اليوميه الملائمه للبسطاء، والملتقى لمختلف الطبقات المجتمعيه، فقد كان الطريقه البديله المتاحه و المقبوله للذهاب الى الكلية، المهم أنني لم أركب الترام في هذا اليوم، فأثناء إنتظاري تحت لهيب الشمس لما يقرب من الساعه، صاح " سائقا للميكروباص" بعد أن صعد على الرصيف المحيط بالمحطه من الخارج، دافعا بالنصف الأعلى من جسده الى داخل السور " المرغني ، كليه البنات ، كليه البنات " ، فكان صياحه سرينه للنجده بالنسبه الي و بعض الفتيات الأخريات، فهرعت إليه أنا وهن ، و ركبناه، و أستمر إنتظارنا لدقائق أخرى داخل " الميكروباص " حتي يكتمل عدد الركاب، وأثناء إنتظاري جاء ما كنت أنتظره " ترام المرغني "، ورحل المرغني وتركني مع الميكروباص، لم يتركني المرغني مع الميكروباص فقط وإنما تركني مع أول " التحف المصريه " التي قابلتها في طريق الكلية في هذا اليوم . فها انا ذا أجلس داخل الميكروباص ، لتمتد دقائق إنتظاري دقيقة بعد الأخرى، ثم نظرت فوجدت أمامي رجلان يقفان على عربه غريبه ، بها أنيتان في شكل " العسكري"  بلعبه الشطرنج ، فأطلت النظر وراقبت ما يفعلان، حيث كانا يقومان بوضع ثلجا مقطعا من على صواني مصنوعه من الألومنيوم بأياديهما بداخل هذه الأواني العسكريه ، وتسألت ما حاجتهما الى الثلج ؟؟، ولم يقومان بوضعه في تلك الأواني، ودفعني فضولي الى سؤال فتاة كانت تجلس بجواري على الجهه اليمنى بجانب باب الميكروباص ، و بتركيز بصري على هذه العربه سألتها قائلة : " ما هذا ؟؟ " ، فردت قائلة : " عصير" ، فأعدت ما قالت : " عصير!!  " ، ثم قلت من الذي سيشرب من هذا العصير بعد أن وضعوه بأياديهما هكذا من صواني كانت على الرصيف !!! ، فردت قائله : " من لم يروا ذلك ".

وبعد أن أكتمل ركاب الميكروباص، أنطلق بنا " سائق الميكروباص" ، فتنهدت ولسان حالي يقول :  " يا مسهل يا رب " ، فسار الميكروباص و سرنا معه ، فوقف فتوقفنا . وقف الميكروباص في أحدى محطات البنزين ، لنستكمل معه مسيره الإنتظار، فقال السائق لعامل البنزينه : " فوٌل "، وبعد أن أمتلأ الميكروباص بالبنزين، أصابته الشرقه وعزف عن المسير، فضممت شفتاي وقلت في نفسي : " ما هذا اليوم العجيب !! "، حاول السائق اعاده الميكروبص الى العمل، و صاح أحدى العاملين بالبنزينه : " يلا يا شيخ " ، فقد كان السائق ملتحيا، وبعد محاولات متكرره عاد المحرك أخيرا للدوران ، و استكمل السائق المسير ، ولقد كان الشارع شديد الإزدحام ، وكعاده سائقي الميكروباص في مصرنا المحروسة يعتبر السائق نفسه في سباق ، وان الشارع ملكٌ له وحده ، فحاول الأسراع ، وفجأه قام بفرملة قويه وارتطم كل الركاب بالمقاعد أمامهم ، و كادت أن تقع حادثه، ولولا فضل الله علينا لأصبحنا في عداد الموتى ، وبعد أن أفقنا من الصدمه صاحت سيده من الكرسي الخلفي وقالت بغضب : " أنت سواق أنت !! ،ده أنا كنت هركب الترام " ، ويبدو ان تلك السيده ندمت ندما شديدا على ركوبها هذا الميكروباص فلقد أخذت في التذمر منذ أن عرفت الأجره وحتى النهايه ، وما هو جدير بالذكر انه وبعد أن كدنا نتحطم ، وأثناء إستكمال طريقنا مر عشرات الشباب على الجانب الأيمن من الشارع وهم يصيحون ، وكنت أظنهم يقومون بالتظاهر، ولكن أحد الركاب قال بأنهم " مشجعي للكرة "  وأن هناك مباراه ستقام اليوم ، و يبدو ان بعض هؤلاء المشجعين أحسوا بالحر الشديد وقرروا أن يخلعوا الجزء العلوي من ملابسهم ، وهنا قال سائق المايكروباص : " دول مشجعين دول ، ماشي وبنطلونه هيقع منه ، معندهمش حياء دول ولا إيه " ، وفور أن قال ذلك قالت نفسي : "هه ، عجبا" !! " ، فلقد قام هذا السائق نفسه الذي يتحدث عن الحياء بالنظر عبر المرآه الأماميه علي ، وعلى البنات الجالسين خلفه ، وكرر ذلك أكثر من مره بالرغم من ان عيني تلاقت مع عينه ، ولكن يبدو ان هذا الموقف لا يستحق منه أن يشعر بالحياء ، و هذا الشيخ نفسه ، ولما كانت السيده بالخلف تتذمر و تسأله عن طريق سيره ، لم  يحترم أنها أكبر منه سنا ، و كان يرد عليها كلمه بكلمه ، وقد كانت أحدى كلامته لها : " الستات مبيتردش عليهم " ، صراحة أغاظني ، وشعرت انه رجل لا يحمل معه ذره ذوق لا في جعبته ولا في ذقنه الطويله ، ولا في ثنايا ميكروباصه ، وكما ذكرت سابقا بالفعل ليس من الضروري أن تجد التحف في المتحف، ولكنك قد تجدها أيضا تسير على الطرق تقود  الميكروباص ، والدليل على ذلك أنني قابلت تحفة أخرى في طريق عودتي من الكليه الي بيتي ، ومن الواضح ان هذه التحفة تعشق " اللمبي " ، فقد كانت طائرتة ، أقصد ميكروباصه يحتوي على مشغل أقراص مدمجه ، وشاشه عرض ، و هو طوال فترة قيادته يحاول ان يعرض فيلما من أفلام محمد سعد المعهوده ، في الوقت ذاته الذي كان يتولى فيه القياده ، فيبدو أن طائرته ، أقصد ميكروباصه مزود بقيادة آليه ، ولا يحتاج الى سائق يطالع الطريق بحذر ، ويراعي الركاب الذي يتحمل مسؤوليه حياتهم ، و لكنه نجح بالفعل بأن يجعل جميع الركاب يتنافسون في مسابقة أعرض إبتسامه على الطريق ، وعندما  اقترب الوقت الذي سأقوم فيه بالنزول من الميكروباص ، قلت بصوت عال : " المترو معاك لو سمحت " ، ولكني لاحظت ان السائق مستمر في السير فأعدت ما قلت بصوت عال : " المترو معاك لو سمحت " ،  ولكنه لايزال مستمر في السير متجاوزا محطتي ، فصحت للمره الثالثه : " المتروووووو " ، فقام الراكب الجالس بجوار السائق بإيقاظه من غيبوبته و أعاد له ما قلت ثلاثا ، فقالت لي السيده بجاوري  ويعلو وجهها إبتسامة عريضة : " أصله حاطط السماعات بودنه " .

ولن أنسى أن أذكر موقفا أخر تعرضت له في اليوم ذاته ، وذلك قبل أن أستقل الميكروباص وفي محطه الترام ، حيث كان يقف العشرات من الناس مثلي ينتظرون قدوم الترام ، وكان من المنتظرين معنا مجموعه من الأولاد بالمرحله الإعداديه على وجه التقريب ، ولقد كانوا في قمه المشاغبه ، يركضون هنا وهناك ويلتفون حول المنتظرين ، و يضربون بعضهم البعض بقسوه في مناطق قاتله ، وكنت أنتظر منهم أن يهدأوا أو أن يتحلو ببعض الأدب ، أو أن يصيح بهم أحد الرجال الذين كانوا يقفون امامهم مباشرة و يشاهدون عروضهم للمصارعه ، ولكن شيئا من هذا لم يحدث ، فقلت في نفسي : " لقد طفح الكيل يجب أن أفعل شيئا " ، فقمت من على مقعد الإنتظار وتوجهت اليهم ومن وسط هؤلاء الرجال صحت بهم " بس يا ولد انت وهو " ، فرد علي أحدهم  " أحنا بنهزر " ، فازداد غضبي وصحت قائلة : " هزار ايه ده !! ، هتعورا بعض " ، ثم عدت في هدوء الى مقعدي مع دقات قلبي المتسارعه، واعين الناس تتبعني . لقد هدأ الصبيه قليلا ولكنهم لم يتمكنوا من التوقف تماما عن هزلهم ، فصاح بهم أحد الرجال الواقفين أمامهم مباشرة سابا" أباهم ،  وبغض النظر عن طريقه الرجل الغير ملائمه في ردع الصبيان وسبه لأباهم ، شعرت أني أنجزت شيئا ، لأني رأيت شيئا ليس بالصواب  و أتخذت موقفا تجاهه ، ولم أجلس مكتوفه الأيدي ، وعلى إثر ما فعلت تخلى احد الرجال عن بعض سلبيته ، فلو وجد هؤلاء الصبيه من يحسن تربيتهم ، ومن يوجههم ، ويعنفهم إن أخطاؤا بأن يقول لهم هذا خطأ وهذا صواب من أبائهم في المجتمع كنوع من التربيه المجتمعيه إذا غابت عنهم بالمنزل، لما تمادوا في طباعهم السيئه ، لأن المجتمع لن يتقبل منهم ذلك، لأن خلق المجتمع يتنافى و تلك السوكيات .   

 ( مجرد تعنيف بالكلمات فقط مجرد كلمه " كده غلط ، كده عيب، من الأدب كذا" هه .. وذلك للأطفال فقط كنوع من التربيه المجتمعيه هه.. أما الكبار فبالنصح المؤدب لا بالضرب أو السب هه .. فهذه ليست دعوه لتأديب الناس في الشوارع أو ضربهم أو الإعتداء عليهم هه .. يا رب يكون الكلام مفهوم )


وفي النهايه أسأل نفسي : هل اعجب من "السائق الشيخ"  أم من "السائق الكلاس"،  أم من المصارعين الصبيه ، أم عليَ أن أعجب من المصابيح التي لا تزال مضاءة فيما يقرب الساعه التاسعه والنصف صباحا ، أم أعجب من القمامه الملقاه بأسفل لافته تقول : " حافظوا على نظافه الشارع " ، أم أن أعجب منهم جميعا ، هناك الكثير والكثير من المظاهر السلبية التي نقابلها يوميا في الطريق الى كلياتنا أو الى أماكن اعمالنا، وذلك حتى بعد أن قامت الثوره ، فكما ثورنا على نظام كان فاسدا ، علينا أن نثور على سلبياتنا حتى نحقق التغيير، وكما نجح هذا النظام في زرع تلك السلبيات فينا، علينا ان نستأصلها حتى نمثل للشفاء.




ملحوظه هامه : حدثت أحداث هذا المقال و كتب سنه 2011  وذلك في السنه التي قامت فيها الثوره المصريه .