الثلاثاء، 26 مارس 2013

مقال " كيمياء المشاعر "




مقال
كيمياء المشاعر

هل فكرنا يوما في سر تلك المشاعر ، والأحاسيس الغريبه التي تكمن بصدورنا ، في سر تلك الوخذات وتلك الدقات السريعه التي تنتاب عضله القلب ، تلك الأحاسيس التي تعتصر قلبك ويصعب عليك في كثير من الأحيان أن تعبر عنها بالكلمات ، تلك  التنهدات والصعوبه في التنفس ، تلك الدموع التي تفيض من عينك ، وتلك الأفكار التي تهتاج في عقلك ،وهذا الإنقباض في الصدر الذي ينتابك فجأه انه مخلوط كيميائي  إما ان تجلب الجرعه منه أحاسيس الفرح  فتفعم بالحيويه، والبهجه ،والنشاط ، ويمتلأ وجهك بألوان الربيع المزهره ، وإما أن تجلب احاسيس الحزن والألم الذي يشعرك بالوهن والتآكل ، فيصفر وجهك ويذبل كأوراق الخريف ، هذه هي كيمياء المشاعر الذي يصعب على المرء منا معرفه تراكيبها وأسرارها .
هناك صنفان من البشر الصنف الأول يستسلم لتلك المشاعر فتأخذه بأمواجها العاتيه سواء كانت مشاعر الفرح أو مشاعر الحزن فهو يسلمها نفسه وينغمس في محلولها ، والصنف الآخر هو من يصمد أمام تلك الأمواج بحلوها ومرها يستمتع بالحلو منها دون ان ينغمس بها فتمتلكه و يقف أمام مرها ليس دون أهتزاز بل بعناد ، وعدم إستسلام فلا يدعها تهوي به فتغرقه  ، وهناك صنف ثالث لم نذكره وهو الذي يصتدم بأمواجها و يستمر في تناسي الصدمه فيعيش في حاله من التناسي المستمر، ولكنه بالطبع  لن يقدر على منع تلك الذكرى من الطفو على السطح ، فيكتفي بتناسيها ، ويستمر في حياته . ولكن ما الفرق بين هؤلاء الأصناف الثلاثه؟ الصنف الأول  فهو كالغصن الرفيع المتدلي من شجره في أسفل التل تجرفه  مياه السيل مع الحطام ، أما الثاني فهو كالسد القوي يظل واقفا حتى لو سقطت منه بعض الأحجار على الحواف ، أما الصنف الثالث فهو كالحاجز الذي يمنع مياه السيل من الوصول الى  المباني الاخرى لبعض الوقت ولكنه في نهايه المطاف مصيره الهدم .
من نعم الخالق علينا اننا منحنا النسيان ، فلذلك سمي الأنسان إنسانا لأنه دائم النسيان، فبإمكاننا نسيان تفاصيل حادثه مؤلمه ، وحجزها في عقلنا الاواعي بكل تفاصيلها ومشاعرها المريره، ولكننا كما قلنا لا نستطيع منعها من الخروج من حين لآخر، ولكن العبره في طريقه العلاج هل ستكون بالحجب أم ستكون بالتقبل والمقاومه . فالبئر مهما كبر عمقه فلابد له بمرور الوقت من أن يمتلأ ويفيض إن استمر إنفجار الماء من باطنه .
حتى الأن لم نعرف سر تلك المشاعر الغريبه التي تنتابنا من حين لأخر، ولا من أين مصدرها بالتحديد ، هل من القلب أم من الروح أم من الضمير أو من العقل . ولكن ليس هذا بمربط الفرس . وإنما المهم هو كيفيه التعامل مع تلك المشاعر والأحاسيس الجوفيه ، لا أقول بالتجاهل ، ولا باليأس والأستسلام  أيضا ، وإنما بالتناول والمعالجه والتكيف .
  



تعلمون أعتقد ان المشاعر نعمه من نعم الله علينا فبدون المشاعر اصبنا بالجمود ، فما أجمل مشاعر الأم الحنونه تجاه طفلها الرضيع وقد ضمته الى صدرها الدافئ ، فلولا مشاعر الحب التي حباها بها الله نحو طفلها ما خافت عليه ولا تحملت عناء حمله وولادته وتربيته ، والسهر على راحته وتمريضه ، و ولولا مشاعر الأخوه لتخلى الأخ عن أخيه في أقصى أيامه وأشد محنه ، ولما نمت جذور المحبه في الله ، والتجرد من الأنانيه ، ونمو الإثار ، ولولا مشاعر التعاطف والرحمه لوقفنا مع الظالم على المظلوم ، وحرمنا مسحه على شعر يتيم ضعيف ، ولأعانا القاتل على قتيله ببرود ، فكيف لنا بحياه حرمنا فيها العطف والرحمه ،والحب، والرأفه ،والود ، أي حياه هذه بدون تلك المشاعر الفياضه الرقيقه ؟؟ وإلا فما الفرق بينها وبين غابه قاحله كئيبه يفترس قويها ضعيفها بلا رأفه 
؟؟
 
الحمد لله على نعمه الإحساس ، وعلى نعمه المشاعر الجميله ، وعلى نعمه الأمومه ، وعلى نعمه الأخوه في الله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق